
متى يصل القطار؟
“أمي، متى يصل القطار؟”
وقف أمامي، صغيرًا بحجم الحلم، كبيرًا بحجم السؤال. كانت يداه في جيبيه وعيناه معلّقتين بالسكة الحديدية، كأنّهما تنتظران وعدًا لم يأتِ بعد.
“أيّ قطارٍ يا حبيبي؟”
التفتَ إليّ بحماسة، وقال كما لو كان يقرأ من كتابٍ قديم:
“قطار العالم الأفضل! العالم الذي تحدّثتِ عنه ليلة البارحة، حيث لا يظلم فيه أحد، ولا يخذل فيه الصديقُ صديقه، حيث الرحمة تملأ القلوب، والحقُّ لا يُترك وحيدًا. متى يصل القطار إليه؟”
نظرتُ إليه طويلًا، لم أرد أن يلمح في عينيّ خيبة العالم. كيف أخبره أن المحطات امتلأت بالمنتظرين، لكنّ القطار لم يأتِ بعد؟ كيف أقول له إنّ ذلك العالم ليس حلمًا، بل وعدًا مؤجلًا، وإنّ الطريق إليه يبدأ من يقين القلب، لا من سكك الحديد؟
ركعتُ أمامه، وضعتُ يدي على صدره، حيث تنبض روحه الصغيرة.
“يا حبيبي، القطار الذي تنتظره ليس له وقتٌ معلن، لكنه سيصلُ يومًا، حين يُنادي المنادي باسم الحق، حين يملأ صاحب الزمان الأرض قسطًا وعدلًا كما مُلئت ظلمًا وجورًا. العالم الأفضل ليس وهمًا، لكنه وعد الله، ووعدُ الله… لا يُخلف.”
شدّ على يدي بقوة، ثم نظر إلى السماء. كانت السكة تمتدّ أمامه بلا نهاية، لكنه لم يعد ينظر إليها… بل إلى ما هو أبعد.
د. بتول عرندس
