توقعات سياسة ترامب في غرب آسيا: بين الخنق الاقتصادي والسلام الأمريكي المشروط
المتوقع من سياسية دونلد ترمب في منطقة غرب آسيا
الكاتب والمحلل السياسي يحيى دايخ
بعد فوز دونلد ترامب في الإنتخابات الرئاسية الأمريكية ليكون الرئيس ال٤٧ للولايات المتحدة الأمريكية.
سؤال يفرض نفسه على المحللين السياسيين: *ما هو المتوقع من سياسته في المنطقة؟*
لقد صرح ترامب في خطابه الإنتخابي للجاليات العربية والإسلامية وخاصةً اللبنانية بأنه *سيعمل على إنهاء الحرب في منطقة غرب آسيا وسيسعى لإحلال السلام العادل والشامل* وبعد فوزه صرح صهره ومستشاره مسعد بولس (اللبناني الأصل) بأن ترامب سيسعى لإرساله موفداً إلى لبنان بهدف مناقشة إنهاء الحرب مع الحكومة اللبنانية. ولكن قبل الخوض في فيما هو ُمتوقع من إدارة ترامب إتجاه الحرب الدائرة في فلسطين ولبنان، لابد أن نلحظ أمرين بالغي الأهمية لقراءة وتوقع المنهاج والسلوك المستقبلي لإدارة ترامب للملف السياسي في غرب آسيا:
*أولاً – لابد أن نعرج على ماهية الإستراتيجية الأمريكية الثابتة في غرب آسيا والتي ترتكز على أصلين لا يمكن التفريق بينهما ممن تعاقب على إدارة الدفة في البيت الابيض من ديمقراطيين وجمهوريين وهما:*
*١ – حماية الكيان المؤقت بإعتباره ولاية أمريكية وقاعدة عسكرية-أمنية ولوجستية لها في المنطقة، تنفذ وتثبت من خلالها أهدافها ومصالحها حتى لو أدى ذلك لحماية الكيان من نفسه وطموحاته.*
*٢ – تنفيذ وحماية مصالحها في المنطقة لكونها (منطقة غرب آسيا) تتمتع بمميزات جغرافية-جيوسياسية وإقتصادية يمكنها من خلالها:*
أ – السيطرة على ثروات المنطقة من نفط وغاز ومعادن ما يؤدي الى التحكم بأرسعارها وبورصتها العالمية وزيادة المخزون الإستراتيجي لأمريكا منها.
ب – السيطرة على الممرات المائية (مضيق هرمز، بحر عُمان، خليج عدن، باب المندب وقناة السويس) وبالتالي التحكم في طرق الإمداد من غرب آسيا الى أوروبا والغرب عموماً.
ج – إفشال المشروع الصيني الروسي (طريق الحرير بفرعيه في غرب آسيا وآسيا الوسطى) لصالح طريق الهند الذي تتبناه أمريكا وبالتالي التفرد بنظم وإدارة الحركة التجارية والإقتصادية بين الشرق الأدنى والغرب مرورا بغرب آسيا.
*ثانياً – النبذة التاريخية والتجربة ليست البعيدة عن كيفية إدارة ترامب للملف السياسي في المنطقة، ففي ولايته السابقة وفي إطار نهجه في حل الصراع باشر ترامب في التسويق والعمل على ما أطلق عليه حل النزاعات وإحلال السلام بين دول المنطقة عبر المسارات التالية:*
١ – الإعتراف بالقدس عاصمة أبدية للكيان المؤقت المحتل ونقل السفارة الأمريكية من تل أبيب (يافا) إلى القدس.
٢ – الإعتراف بضم الجولان السوري المحتل إلى الدولة للقيطة وإعتباره جزء لا يتجزء من أراضي فلسطين المحتلة.
٣ – الترويج والسعي لما سماه “صفقة القرن” وهي التطبيع الإبراهيمي بين الدول العربية والكيان اللقيط المحتل في العلن كان أم في السر، وما نتج عنه من تحول في السلوك الإجتماعي والثقافي والإقتصادي عند معظم مجتمعات وشعوب الدول العربية المطبعة، وحتى على المستوى العسكري والأمني من تلك الدول لصالح الكيان الغاصب، ومن اهم تجلي تلك المظاهر والسلوكيات إنتشار ما يسمى *”بالديانة الإبراهيمية”.*
٤ – سلوكه الإبتزازي المادي عبر التسليح والحماية لدول الخليج “بموافقتهم ورضاهم” من خلال الإيهام وترسيخ فكرة العدو الجديد القديم المتمثل بالجمهورية الإسلامية الإيرانية والنزاع العربي الفارسي، أمام تظهير العدو الإسرائيلي بمظهر الصديق اللطيف المناصر لحكمهم.
*وبالتالي وإنطلاقاً مما ذكر أعلاه يمكن إستشراف ورسم أهم المعالم والخطوط العريضة لسياسية ترامب المستقبلية إتجاه منطقة غرب آسيا وتحديداً الصراع الدائر بين محور المقاومة ومحور (الشر الشيطاني) الصهيوأمريكي في الإتجاهات والمسارات التالية:*
١ – فمن خلال التجربة السابقة مع ترامب يتضح بأنه رجل الصفقات “التجارية” بمفهومه وليس رجل الحروب، فهو يعتمد سياسة الخنق الإقتصادي المميت ضد أعداءه، ويرجح بقوة أن هذه السياسة إحدى أهم أسلحته المستقبلية.
٢ – الى حين إستلام ترامب مقاليد إدارة الدفة في البيت الأبيض من المرجح أن يطلق يد نتنياهو في الضفة ولبنان والعراق وسوريا وإيران بهدف تهيئة المناخات لتسوية سياسية شاملة *”سلام شامل بمفهوم أمريكي-إسرائيلي”*(كما ذكرت سابقا في عدة تقديرات).
٣ – يمكن ان يعمد ترامب إلى إحياء ومتابعة أطروحته *”صفقة القرن”* وتوسعتها لتشمل غالبية الدول العربية وخاصة المطبعة سراً.
٤ – من المرجح أن يضغط ترامب على الحكومة اللبنانية لإقرار وتعهد تنفيذ القرارين ١٥٥٩ و١٦٨٠ بالإضافة الى ترتيبات أمنية مع دولة الكيان تؤدي بالنهاية إلى اتفاق سلام.
٥ – من المرجح أن يصعد ترامب ويزيد من تفعيل قانون قيصر على سوريا وتفعيل دور الجماعات التكفيرية بزعزعة الأمن والإستقرار النسبي الموجود الآن، بهدف فك إرتباطها مع محور المقاومة.
٦ – أعتقد أنه من الممكن أن يضغط ترامب على الحكومة العراقية تحت طائلة فرض العقوبات الاقتصادية وزعزعة الإستقرار الأمني بهدف لجم وضبط وتحييد المقاومة العراقية عن الصراع الدائر.
٧ – من المرجح أن يعمد ترامب إلى ممارسة سياسة العصا والجزرة مع الجمهورية الإسلامية الإيرانية واعتقد انه لن يذهب الى حد استخدام القوة النارية معها لما تتمتع به الجمهورية الإسلامية من قوة من جهة، وللعب على وتر وجودي رئيس جمهورية إصلاحي الإنتماء من جهة ثانية، والتلويح بزيادة الحصار الإقتصادي عليها للضرب على الوتر الشعبي من جهة ثالثة .
٨ – بالإعتقاد سيعمد ترامب إلى معالجة الملف اليمني عبر الخنق الاقتصادي المميت مع تفعيل الضربات الجوية مترافقة بالحد من وجود الآلات والسفن الحربية في مرمى الجيش اليمني وأنصار الله.
الخلاصة
إن السياسة الأمريكية إتجاه منطقتنا لا تختلف بأصل الجوهر والمرتكزات بين الحزب الديموقراطي والحزب الجمهوري فكلاهما يسعيان لتنفيذ الإستراتيجية الأمريكية الثابتة في غرب آسيا، ولكن تختلف بأساليب وطرق تنفيذ هذه الإستراتيجية.
فكلاهما منحاز للعدو ومتوحش لا يأبه لشعوب المنطقة، فهما كما ذكرت سابقاُ وجهان لعملة واحدة بالنسبة لتنفيذ سياستهما في المنطقة، واحد يقدم لك السم بالعسل ويبتسم برقة مع قليل من دموع التماسيح بينما يذبحك، والآخر يفرض عليك الخضوع والمذلة والا الموت جوعاً.
توصية أخيرة:
إن من هزم المشروع الصهيوأمريكي ومحور الشيطان طليلة العقود الماضية وكان حجر عثرة في طرق وأساليب تنفيذه، مازال موجوداً وبقدرة وإمكانات ووسائل عالية مستمداً قوته وطاقته قبل كل شيئ من الله سبحانه وتعالى مؤمناً وبوعوده جل وعلا، ومؤمناً بسواعد رجاله العقائديين كما وصفهم سماحة شهيدنا الأسمى والأقدس عندما خاطب العدو وقال لهم *”أنتم تقاتلون أشد أهل الارض إيماناً، أنتم تقاتلون أبناء محمد وعلي وفاطمة والحسن والحسين ع”*
نعم إنهم الآن يقاتلون أبناء ذلك السيد المربي المعلم الزكي المجاهد القائد المضحي سماحة الأمين الشهيد السيد حسن نصرالله رضوان الله تعالى عليه.
كما وإن العنصر الأهم في المقاومة وناتج إنتصاراتها الدائمة هما البيئة الحاضنة والبيئة الناصرة.
هذه العوامل مجتمعة اوجدت معادلة الانتصار. وبالتالي مهما العدو إفتعل المجازر والإبادة والتدمير فهذا ما يقدر عليه، وأنه للآن لم يحقق أي انجاز إستراتيجي في حربه على لبنان يمكنه من إرغام المقاومة وشعبها على الاستسلام.
هذه المقاومة التي هي رأس حربة في محور المقاومة باقية وقادرة وستهزم من جديد محور الشيطان، بالصبر والتوكل عل الله. لذا من الواجب بقاء العين على الميدان وسترون كيف يأت الأمريكي وباقي موفدي أوروبا لإستجداء وقف الحرب، فالخبر ما ترون لا ما تسمعون، إنهم يرونه بعيداً ونراه قريب
