Cancel Preloader
 الضغوط الدولية على لبنان بعد حرب 2024

الضغوط الدولية على لبنان بعد حرب 2024

Loading

 *الضغوط الدولية على لبنان بعد حرب 2024 – بين التطبيع، نزع سلاح المقاومة، إعادة الإعمار، والتهديدات الإرهابية*

محمد بيضون

بعد انتهاء المواجهة العسكرية بين المقاومة اللبنانية وإسرائيل في عام 2024، دخل لبنان مرحلة جديدة من الضغوط الدولية والإقليمية تهدف إلى فرض واقع سياسي وأمني يخدم المصالح الأمريكية والإسرائيلية. هذه الضغوط لا تقتصر فقط على ملف التطبيع ونزع سلاح المقاومة، بل تشمل أيضًا استغلال الحاجة إلى إعادة الإعمار كورقة ابتزاز، إضافة إلى محاولات زعزعة الاستقرار الداخلي عبر تحريك الخلايا الإرهابية النائمة من الداخل السوري، ما يجعل المرحلة المقبلة أكثر تعقيدًا وخطورة.

*التطبيع: ربط المساعدات الاقتصادية بتقديم تنازلات سياسية*

مع انتهاء الحرب، كثّفت الولايات المتحدة جهودها لدفع لبنان نحو مسار التطبيع مع إسرائيل من خلال استخدام المساعدات الاقتصادية كوسيلة ضغط. من أبرز محاور هذه الضغوط:

ربط أي مساعدات مالية أو استثمارات بفتح قنوات تفاوض مع إسرائيل، تحت عنوان الترتيبات الأمنية، لكن الهدف الحقيقي هو إدخال لبنان تدريجيًا في مسار التطبيع.

الترويج لمشاريع إقليمية تربط لبنان بإسرائيل اقتصاديًا، مثل خطط دمجه في مشاريع الطاقة والربط الكهربائي.

استخدام الضغوط السياسية والدبلوماسية داخل الحكومة اللبنانية لمحاولة فرض قرار رسمي بتخفيف الخطاب العدائي تجاه إسرائيل.

إلا أن هذه المساعي تواجه معارضة شعبية وسياسية كبيرة، خصوصًا من قوى المقاومة وحلفائها، الذين يعتبرون أن التطبيع ليس خيارًا قابلًا للنقاش، بغض النظر عن الضغوط الاقتصادية المفروضة على لبنان.

*إعادة الإعمار: ورقة ضغط جديدة بعد حرب 2024*

تسبب العدوان الإسرائيلي الأخير في تدمير واسع للبنية التحتية اللبنانية، خصوصًا في الجنوب والضاحية الجنوبية لبيروت، بالإضافة إلى استهداف منشآت حيوية مثل الموانئ وشبكات الطاقة. ومع الحاجة الملحة لإعادة الإعمار، يتم استخدام هذا الملف كأداة لفرض أجندات سياسية وأمنية، حيث تتمثل الشروط الغربية في:

منع أي مساعدات مالية قد تصل إلى المقاومة أو بيئتها الحاضنة، عبر فرض رقابة صارمة على الأموال القادمة إلى لبنان.

اشتراط ضمانات أمنية تمنع إعادة بناء مناطق الجنوب دون التزام بشروط تحد من نفوذ المقاومة العسكرية.

إجبار الحكومة اللبنانية على تنفيذ إصلاحات سياسية واقتصادية مشروطة تتماشى مع توجهات الولايات المتحدة وصندوق النقد الدولي، مما قد يؤدي إلى تغيير التوازنات السياسية داخل لبنان.

في المقابل، تحاول بعض القوى الدولية، مثل فرنسا، تقديم حلول وسط تتيح وصول المساعدات دون فرض شروط سياسية صارمة، لكن النفوذ الأمريكي على المؤسسات المالية العالمية يجعل من الصعب تحقيق ذلك دون تنازلات معينة.

*نزع سلاح المقاومة: الهدف الأساسي لإسرائيل*

بالتوازي مع الضغوط الاقتصادية والسياسية، تواصل إسرائيل وواشنطن العمل على نزع سلاح المقاومة أو على الأقل تقليص قدرتها العسكرية، من خلال:

المطالبة بتوسيع صلاحيات القوات الدولية (اليونيفيل) في جنوب لبنان، بحيث تصبح قادرة على التدخل المباشر ضد أنشطة المقاومة.

استخدام العقوبات الاقتصادية كأداة ضغط على الشخصيات والمؤسسات المرتبطة بالمقاومة.

تكثيف الضغوط الدبلوماسية لإصدار قرارات دولية ضد المقاومة، بهدف عزلها سياسيًا وتشويه صورتها عالميًا.

لكن في ظل موازين القوى الحالية، لا تبدو المقاومة مستعدة للتراجع عن سلاحها، بل تعتبر أن نتائج الحرب الأخيرة عززت موقعها في أي معادلة مستقبلية.

*الضغط من جهة سوريا: تحريك الخلايا الإرهابية النائمة*

إلى جانب الضغوط السياسية والاقتصادية، ظهرت محاولات جديدة لزعزعة الاستقرار الأمني في لبنان من خلال تحريك الخلايا الإرهابية النائمة، خاصة في المناطق الحدودية مع سوريا. هذه التحركات تحمل دلالات خطيرة، حيث تشير تقارير أمنية إلى أن بعض الجماعات الإرهابية بدأت تعيد تنظيم صفوفها في مناطق البقاع والشمال، مستغلة الفوضى الأمنية في سوريا والتوترات الداخلية في لبنان.

*الجهات التي تستفيد من تحريك هذه الخلايا تشمل:*

القوى الإقليمية التي تسعى لإضعاف المقاومة من خلال استنزافها في معارك داخلية، بدلًا من تركيز جهودها على مواجهة إسرائيل.

أطراف دولية قد تستخدم الإرهاب كورقة ضغط إضافية لإقناع اللبنانيين بقبول ترتيبات أمنية جديدة تشمل التعاون مع إسرائيل تحت شعار “محاربة الإرهاب”.

مجموعات داخلية مرتبطة بمشاريع الفوضى، والتي تحاول استغلال التوترات الطائفية والسياسية لإشعال مواجهات داخلية تخدم مصالح الخارج.

في هذا السياق، تحاول الأجهزة الأمنية اللبنانية اتخاذ إجراءات وقائية لمنع تمدد هذه الجماعات، لكن في ظل الأوضاع الاقتصادية الصعبة وضعف الإمكانيات، يبقى خطر التهديدات الإرهابية حاضرًا بقوة في المشهد اللبناني.

*اللعبة الدولية: إعادة رسم التوازنات الإقليمية*

ما يحدث في لبنان اليوم ليس مجرد سلسلة من الأزمات المنفصلة، بل هو جزء من مشروع أوسع لإعادة تشكيل التوازنات في المنطقة. تسعى الولايات المتحدة وإسرائيل، بدعم من بعض القوى الإقليمية، إلى خلق بيئة سياسية وأمنية جديدة في لبنان تخدم مصالحها، سواء عبر فرض التطبيع، أو نزع سلاح المقاومة، أو استخدام إعادة الإعمار كوسيلة ضغط، أو حتى عبر تهديد الأمن الداخلي من خلال تحريك الخلايا الإرهابية.

*آخر الكلام*

يدخل لبنان مرحلة حساسة حيث تُستخدم كل الوسائل الممكنة لفرض تغييرات جذرية في توجهاته السياسية والأمنية. وبينما تتزايد الضغوط من كل الاتجاهات، يبقى السؤال الأهم: هل سيتمكن لبنان من الصمود في وجه هذه التحديات والحفاظ على استقلالية قراره، أم أن الضغوط المتراكمة ستدفعه نحو تقديم تنازلات استراتيجية قد تغيّر مستقبله بالكامل؟

MNews