
البيان الوزاري وثلاثية الجيش والشعب والمقاومة
البيان الوزاري وثلاثية الجيش والشعب والمقاومة بين النص والواقع
الكاتب والمحلل السياسي يحيى دايخ ٢٠٢٥/٢/١٢
“الجيش والشعب والمقاومة”، ثلاثية شكّلت معادلة ذهبية نقلت لبنان من زمن الهزائم للجيوش والأنظمة العربية ضد العدو الاسرائيلي إلى زمن آخر وهو زمن الإنتصارات، (إنتصارات مقاومات الشعوب ونهضتها في وجه الإحتلال) كما إصطلح عليه سماحة شهيد الأمة الأقدس السيد حسن نصرالله (رضوان الله عليه)، زمن بدأت ملامحه مع تحرير الجنوب من العدو الصهيوني عام ألفين، مروراً بحرب تموز ٢٠٠٦ وكسر مشروع الصهيوأمريكي “الشرق الاوسط الجديد”، وصولاً إلى وئد “المشروع التكفيري” في الوصول الى لبنان.
ومع إنتخاب العماد جوزيف عون رئيساً جديداً للبنان ومن ثم تسمية القاضي نواف سلام رئيساً للحكومة تلاها تشكيل الحكومة الحالية كلها قطوع تجاوزها لبنان، والتي لسنا في مورد الكتابة عنها وتفنيدها من ناحية الإيجابيات والسلبيات في الوقت الراهن.
ولكن من أهم القطوعات التي تواجه الحكومة العتيدة ورئيسها في الوقت الحالي هو *“البيان الوزاري”* الذي وبناءً على ما سيتضمنه ستنال الحكومة ثقة البرلمان مثل البنود والمدرجات التالية:
• بناء الدولة المؤسساتية.
• الإنماء المتوازن والمتساوي بين المناطق.
• فصل السلطات.
• تأمين فرص العمل، والحد من هجرة الكفاءات.
• النزاهة والشفافية.
• التطوير والازدهار في بنى مؤسسات الدولة وأجهزتها وإداراتها.
• محاربة الفساد في جميع دوائر الدولة وأجهزتها.
• تفعيل التفتيش والمحاسبة.
• تحديث وإصلاح النظام المصرفي.
وغيرها الكثير … من الشعارات والعناوين والتي يجتمع عليها (ظاهرياً كان أو إيماناً بها) كل الأطياف اللبنانية ومكوناته من أحزاب سياسية واجتماعية وإقتصادية وحركات وجمعيات تعنى بالشأن العام اللبناني.
يبرز بند يعتبر محل نزاع وشقاق حاد بين اللبنانيين وهو المقاومة الشعبية للاحتلال الإسرائيلي وأحقيتها وشرعيتها ومشروعيتها وإن كان يتكامل مع دور الدولة في حماية الأراضي اللبنانية والدفاع عنها أم لا، والذي يعتبر موضع إختلاف وخلاف كبير بين مكونات وأحزاب لبنان، حيث تتباين وجهات النظر فيه من خلال نظريتين:
الأولى- حصرية السلاح والدفاع وحماية وتحرير لبنان بيد الدولة المتمثلة بالدبلوماسية السياسية وبالجيش اللبناني.
الثانية- العمل بإستراتيجية دفاعية متكاملة تعزز دور الدولة والجيش اللبناني وهي ثلاثية “جيش شعب مقاومة” التي أثبتت نجاعتها على مدى الأعوام المنصرمة من الصراع مع العدو الصهيوني لغاية اليوم من خلال:
١- عدم إحراج الدولة في علاقاتها وإرتباطاتها الإقليمية والدولية وخاصة الأمريكية.
٢- إمساك الدولة بورقة المقاومة الرابحة والتي ساعدتها على إستعادت حقوقها من العدو المدعوم أمريكياً في مفاوضاتها بالأراضي المحتلة وترسيم الحدود والثروات الباطنية المُستغلة من العدو والآثار المنهوبة.
النظرية الأولى ترتكز على مبدأ الذي يقول أن الجيش هو القوة الوحيدة المخولة بالدفاع عن الأرض وحماية الوطن، وبالتالي من خلاله وبالترافق مع الديبلوماسية السياسية يمكن تحرير الأرض والدفاع عنها ضد أي عدوان (كلام جميل).
يمكن أن تطبق هذه النظرية عندما تمتلك الدولة (أي دولة) عناصر ومرتكزات السيادة وعدم التبعية لدول إقليمية أو دولية، عندها يكون مفهوم الدولة السيدة هو السائد والحامي والمدافع إن على المستوى الدبلوماسي أو على المستوى العسكري والأمني.
أما إذا كانت هذه الدولة (أي دولة):
• منقوصة السيادة لجهة تدخلات السفراء بأقل إدارة وجهاز للدولة
• شديدة التبعية لجهة بعض صناع القرار فيها وبعض سياسييها.
• مرهونة القرار بحيث لا تستطيع إتخاذ قرار سيادي صارم بوجه الإملاءات الخارجية.
• عبارة عن تجمع لمجموعات أفراد وحركات سياسية إجتماعية إقتصادية متعددة الأهواء تحركها طموحات من المصالح الشخصية والأهداف المشخصنة.
• ممنوع على جيشها التسلح الدفاعي المؤهل لحمايتها من الغزو أو لتحريرها ( على سبيل المثال لا الحصر: مضادات دروع حديثة، مضادات طيران حديثة، ولن أذكر دبابات او طائرات أو وسائل دفاع ألكترونية ووووو).
• مرهون جيشها الوطني لقرار سياسي يمنعه من اتخاذ الاجراءات والتدابير الدفاعية وحماية الأرض والمواطنين والامثال كثيرة ذات الشأن بعض منها:
• أسر جبهة النصرة وداعش لجنود وضباط الجيش في جرود عرسال.
• اعتداءات جيش الاحتلال في الماضي والحاضر على قرى لبنانية في جنوب لبنان ومواقع للجيش وارتقاء شهداء للجيش بدون قرار سياسي بالرد.
وكثيرةٌ هي منتقصات ركائز وعناصر السيادة والاستقلال الحالية والتي لا أستطيع ذكرها الأن.
وبالتالي إن كانت الدولة غير قادرة وغير مجهزة ولا تملك القابلية الحالية للخروج من ثوب التبعية والارتهان وانعدام القرار السيادي (ولا أناقش هنا سواء بإرادتها أو غصباً عنها أي لا تستطيع خلع ثوب التبعية والارتهان بسبب تقييدها بأمور ومسائل معينة) فلا الديبلوماسية السياسية ولا القوى العسكرية تستطيع أن تحرر أرض أو تدافع عنها أو تحمي مواطن أو ترد إعتداء.
هنا تفرض النظرية الثانية نفسها بواقع الحال والتي يمكن أن تستفيد منها ومن منجزاتها الدولة على أكمل وجه دون إحراج أو تقيد ببروتوكولات دولية.
كما أستفادت الدولة اللبنانية على مدى سنوات في:
١- مفاوضاتها مع العدو الإسرائيلي لجهة ترسيم الحدود واستعادة ثروات بحرية وغيرها.
٢- كما استفادة الدولة اللبنانية من المقاومة بالحصار الأمريكي المفروض عليها بالمواد النفطية من بانزين ومازوت فإستفادت منشآت ضخ مياه الدولة والمستشفايات والمركز الصحية ودور الرعاية وغيرها الكثير من إدارات الدولة لتأمين الخدمات للمواطنين.
٣- كما استفادة الدولة من المقاومة في عمليات تحرير الجرود (١و٢) من التكفيريين الذين هددوا مواطني البقاع من مسلمين ومسحيين وأسروا ضباط وجنود الجيش وقتلوا بعضهم.
وقد تطول لائحة إستفادة الدولة من المقاومة.
الخلاصة:
إن الحاجة لوجود استراتيجية دفاعية تتمثل بالثلاثية الذهبية “جيش شعب مقاومة” هي حاجة واقعية فعلية عملية وليست حاجة كمالية إكسسوارية، وما تم بالأمس القريب من تحرير أهالي الجنوب لبلداتهم وقراهم في حين لم يستطع إبتداءً الجيش بالتحرك إلا بعد الإندفاعة الشعبية والقرار السياسي المتأخر ما هو الا دليل على تلك الحاجة.
لذا مما يستنتج من كل ما ورد أعلاه أن الإقدام على ذكر أحقية المقاومة وشرعيتها في البيان الوزاري أو عدم ذكر ذلك، لا يقدم ولا يؤخر في مدى الحاجة الفعلية للمقاومة الشعبية:
• طالما يوجد إحتلال على أرضنا.
• طالما تنتهك سماؤنا وينتهك بحرنا.
• طالما هناك عدو يسرق مياهنا وغازنا ونفطنا.
• طالما هناك عدو يتربص بأبناءنا.
• طالما هناك عدو على حدودنا يعيث خراباً بمزارعنا ومنشآتنا.
• طالما هناك عدو يتعدى على ارزاقنا.
إن الدولة اللبنانية هي عضو في هيئة الأمم المتحدة موقعة على ميثاق الأمم المتحدة ملزمة بما ورد في هذا الميثاق والملحقات به، ملتزمة بشرعة حقوق الإنسان، وتحترم كل ما ورد في شرعة الأمم المتحدة والتي تلزمها بدورها تنفيذ كل ما ورد بميثاقها والذي ينص “على حق مقاومة الشعوب لاحتلال اراضيها”
كما أن الدولة اللبنانية بكافة أطيافها وقعت على اتفاق الطائف وتنادي بتطبيق هذا الاتفاق الذي ينص بإحدى فقراته “على حق مقاومة الإحتلال”
فإذا القانون الدولي وشرعة الأمم المتحدة وكل المواثيق والمعاهدات الدولية والتي تعترف بها الدولة اللبنانية وتقدس مندرجاتها وتنادي بتطبيقها على المنابر الداخلية والخارجية كفلت حق المقاومة ضد الاحتلال، كما إتفاق الطائف.
لذا لا يهم إن ورد في البيان الوزاري أو لم يرد فالمقاومة هي رد فعل شعبي على فعل إحتلالي أو فعل إنتقاصي من سيادة وكرامة، وبالتالي هي حاجة فعلية ضرورية تظهر عند عجز الدولة عن القيام بواجبها في رد الاعتداءات دبلوماسياً مترافقاً مع عسكرياً ومشروعيتها مستمدة ومكفولة من أعلى هيئة منبر أممي.
فلا ينظّر علينا أحد بموضوع ادراجها او عدمه في البيان الوزاري.
فالمقاومة باقية بقاء الاحتلال وبقاء كافة إعتداءاته الفيزيائية والنفسية وكل متعلقاته حتى عملائه
