Cancel Preloader
 إعادة البوصلة شرقاً: إيران تستبق التصعيد «الترامبي»

إعادة البوصلة شرقاً: إيران تستبق التصعيد «الترامبي»

Loading

طهران

 في ذروة المواجهة الدائرة بين إسرائيل والولايات المتحدة من جهة، وجبهة المقاومة وإيران من جهة ثانية، وعشية تولّي دونالد ترامب الرئاسة الأميركية، واحتمال توجّهه نحو تطبيق نسخة مشدّدة من سياسة «الضغوط القصوى» على طهران، على خلفية برنامجها النووي، توجّه وزير الخارجية الإيراني، عباس عراقجي، يومَي الجمعة والسبت، في زيارة للصين، حيث أجرى محادثات مع نظيره وانغ يي، تناولت على وجه الخصوص العلاقات الثنائية، والمحادثات النووية، وكذلك التطوّرات الإقليمية، ولا سيما في سوريا.
وتُعدّ هذه هي الزيارة الأولى لعراقجي للصين، منذ تولّيه منصبه، في آب الماضي، حين كانت سياسة حكومة مسعود بزشكيان الخارجية قائمة على أولوية تحقيق انفراجة مع الغرب، ينتج منها رفعٌ للعقوبات المفروضة على طهران. بيد أن رياح التطوّرات جرت خلافاً للتوقّعات؛ فقد ألقت الحرب المعتملة في المنطقة، فضلاً عن المواجهة المحتدّة بين إيران واسرائيل، بظلالهما على مجمل برنامج السياسة الخارجية لإدارة بزشكيان، فتصاعدت التوتّرات بين إيران وأوروبا، مع زيادة الأخيرة ضغوطها على الجمهورية الإسلامية، بسبب برنامجها النووي وتعاونها العسكري مع روسيا، فيما أعاد فوز ترامب بالرئاسة في الولايات المتحدة، إلى الأذهان، سياسة الضغوط القصوى التي اعتمدها في فترة ولايته الأولى. ووسط هذا التصعيد الإيراني – الغربي، عادت إيران لتتقرّب من حلفائها القدامى، أي الصين وروسيا. وعلى هذه الخلفية، جاءت زيارة عراقجي لبكين، على أن يتوجّه بزشكيان إلى موسكو، خلال الأسابيع القليلة المقبلة.
وممّا ناقشه عراقجي في بكين، متابعة مسار تطبيق اتفاق التعاون الشامل لـ 25 عاماً بين إيران والصين، بعد مرور نحو أربع سنوات على التوقيع عليه، من دون أن يغيّر في واقع الأمر شيئاً. وخلال اللقاء الذي جمع بزشكيان بنظيره الصيني شي جين بينغ، في تشرين الأول الماضي، على هامش قمّة دول «مجموعة بريكس» في قازان الروسية، شدّد الطرفان على ضرورة وضع الاتفاق موضع التنفيذ بحذافيره. وأفادت وكالة الأنباء الرسمية الإيرانية بأن عراقجي ووانغ قيّما، خلال لقائهما، بـ»إيجابية» التقدُّم المحرز في تنفيذ الاتفاق، وأكدا أن بلديهما، ومواكبةً للتوجيهات الاستراتيجية لقادتهما، سيبذلان جهودهما لوضع خطّة التعاون الشامل بينهما، موضع التنفيذ.
على أن مربط الفرس في العلاقات الإيرانية – الصينية، في ظلّ التطوّرات الدولية، بما فيها عودة ترامب إلى البيت الأبيض، يتمثل بمبيعات النفط الإيراني للصين، علماً أن الجمهورية الإسلامية تبيع أكثر من مليون ونصف مليون برميل من النفط يومياً، تشتري الصين معظمها، فيما تستمرّ هذه التجارة بصورة غير رسمية، بسبب العقوبات الأميركية. وعلى رغم بيع طهران النفط لبكين بأسعار متدنّية، وعدم حصولها بشكل مباشر على العوائد المتأتّية من تلك المبيعات، إلّا أن هذه الأخيرة تحظى بأهمية بالغة بالنسبة إلى الإيرانيين. أمّا ترامب الذي يدرك الحساسيّة المشار إليها، فيسعى، في النسخة الثانية من سياسة الضغوط القصوى على إيران، إلى تقليص عائدات النفط الإيرانية، أي الضغط على الصين لخفض مشترياتها من النفط الإيراني. وشكّل هذا الجانب خصوصاً واحداً من محاور مباحثات عراقجي مع المسؤولين الصينيين، الذين سعى إلى إقناعهم باستمرار التجارة النفطية في مقابل ضغوط ترامب، فيما ليس من الواضح ما إذا كانت الشركات الصينية ستصمد أمام الضغوط الأميركية.
وتناول لقاء عراقجي – وانغ محوراً آخر، هو البرنامج النووي الإيراني، بعدما كانت إيران قد أعلنت، في الأسابيع الأخيرة، جهوزيتها لإجراء جولة جديدة من المحادثات النووية، ولا سيما أن علاقاتها مع «الوكالة الدولية للطاقة الذرية» تمرّ منذ بعض الوقت بتحدّيات، كما أن مجلس محافظي الوكالة أصدر في اجتماعه الأخير قراراً ضدّها. وفي الوقت الذي يُتوقع فيه أن يضع ترامب البرنامج النووي الإيراني في سلّم أولويات سياساته تجاه إيران، فإن موضوع تسوية هذا الملف بالطرق الديبلوماسية بات يتصدّر الاهتمامات، على رغم أن بعض الأطراف بما فيها إسرائيل، تقوم بتشجيع أميركا على مهاجمة المنشآت النووية الإيرانية. وفي ظلّ ظروف كهذه، فإن التنسيق بين إيران والصين، بوصفهما بلدين متقاربين، يمكن أن يضطلع بدور مهمّ في مواجهة السياسة الأميركية. ولدى وصوله إلى بكين، قال عراقجي إن ملف البرنامج النووي الإيراني وما يستتبعه من جهود لرفع العقوبات، سيشهدان، خلال العام المقبل، وضعاً جديداً، مضيفاً أنه ثمّة حاجة في هذا الخصوص إلى إجراء المزيد من المشاورات مع الصين. من جهته، رأى وزير الخارجية الصيني أن تسوية القضية النووية الإيرانية ممكنة فقط عن طريق المحادثات، وفي إطار «خطة العمل الشاملة المشتركة»، مؤكداً أن بكين تدعم بشكل حاسم حقوق إيران المشروعة.
أمّا المحور الثالث للمداولات التي أجراها عراقجي مع المسؤولين الصينيين، فقد تمثّل بالتطوّرات في المنطقة. فمن جهة، تعارض إيران الوجود الأميركي في الشرق الأوسط، فيما تبدي الصين على خلفيّة تنافسها مع أميركا، قلقها من تثبيت النظام الأميركي الذي يدور حول محور إسرائيل في المنطقة، علماً أن رؤية الصين تجاه المنطقة مبنيّة على التعادل والتوازن بين القوى الإقليمية؛ وهي الرؤية التي حفّزت قبل نحو ثلاثة أعوام، بكين على التوسط بين إيران والسعودية. وفي الوقت ذاته، فإن توسّع دائرة الإرهاب، ولا سيما تحت أثر التطوّرات السورية، يشكّل أحد هواجس طهران وبكين. وحديثاً، أعلن مقاتلو «الإيغور» الصينيون ذوو التوجه الإسلامي، نيّتهم العودة إلى الصين لاستئناف مكافحة النظام الصيني في المناطق الغربية للبلاد، ولا سيما مقاطعة شينجيانغ، الأمر الذي يُشكّل مصدر قلق بالنسبة إلى السلطات الصينية. كذلك، عبّر عراقجي ووانغ عن قلقهما من المخاطر الناتجة من أيّ فوضى وانفلات أمني في سوريا، وشدّدا على ضرورة الحفاظ على الوحدة الوطنية ووحدة التراب السوري، والانتقال الهادئ والآمن نحو نظام حكم يؤمّن مطالب جميع أطياف المجتمع السوري.

MNews