إطلاق العلاقات الفرنسية-الألمانية
أعرب الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون والمستشار الألماني أولاف شولتز، الأربعاء، عن رغبتهما في إعادة إطلاق العلاقات الفرنسية-الألمانية المتعثّرة، بعد سلسلة من الخلافات على خلفية الحرب في أوكرانيا والأفق القاتم للنمو في أوروبا.
وأكد المستشار الألماني في تغريدة بعد محادثات في قصر الإليزيه أنّ فرنسا وألمانيا تبقيان “متقاربتين” جداً و”تخوضان التحدّيات معاً”. وقال “كان نقاشاً مهمّاً وجيّداً جداً اليوم حول إمدادات الطاقة الأوروبية وارتفاع الأسعار ومشاريع التسلّح المشتركة”.
ورحّب الإليزيه بتبادل “بنّاء جدّاً” للنقاش، استعرض خلاله الزعيمان “العلاقة الفرنسية الألمانية بروح من العمل الوثيق على المديين المتوسط والبعيد”.
وأضافت الرئاسة الفرنسية في بيان أنّ الزعيمين يعتزمان “المضي قدماً في أجندة مشتركة للسيادة وإعادة التصنيع والحد من انبعاثات الكربون في أوروبا”.
واجتمع الزعيمان على مدى أكثر من ثلاث ساعات على مأدبة غداء بينها ثلاثون دقيقة أمضياها لوحدهما. إلّا أنّ الاجتماع لم يفضِ إلى أي بيان مشترك من ماكرون وشولتز اللذين ابتسما أمام عدسات الكاميرات في باحة الإليزيه.
التضامن الأوروبي
وأكد الزعيمان الأوروبيان مجدداً تمسكهما بمبدأ “التضامن” الأوروبي في مسائل الطاقة، وكذلك رغبتهما في “تعزيز الدفاع الأوروبي” و”التعاون بشأن منصات الإطلاق”، وفقاً لما أفاد به الإليزيه.
وأوضح مستشار رئاسي فرنسي أنه سيتمّ تشكيل “مجموعات عمل” بشأن الطاقة والدفاع والابتكار، ما سيقود الحكومتين “إلى العمل بشكل وثيق في الأيام المقبلة من أجل الخطوات التالية”.
وأثارت حالة العلاقات الثنائية الفرنسية الألمانية التي تخضع دائماً لرصد دقيق داخل الاتحاد الأوروبي، قلقاً في الأيام الأخيرة.
وخلال القمة الأوروبية الأخيرة، حذر إيمانويل ماكرون برلين من “العزلة”، معتبراً أنها (العزلة) “ليست جيدة لألمانيا ولا لأوروبا”.
ويبدو أن لهجة التهدئة تسود العاصمتين، بينما يؤكد كل طرف أنه لا تزال هناك “صعوبات” يجب التغلب عليها.
وقال مصدر دبلوماسي فرنسي إن الأزمة “متخيلة إلى حد كبير”، فيما شددت الحكومة الألمانية على أن “فرنسا أقرب حليف لنا”.
وظهر عمق الخلافات بين الطرفين في التأجيل الأخير لاجتماع وزاري مشترك بين باريس وبرلين، وهو أول لقاء من نوعه منذ أصبح شولتز مستشاراً.
وكانت الخلافات بين باريس وبرلين تضاعفت في الأسابيع الأخيرة بشأن الاستراتيجية الواجب اعتمادها لمواجهة ارتفاع أسعار الطاقة، والطاقة النووية والتسليح الأوروبي. ويثير هذا الأمر قلقاً في أوروبا، حيث يبقى المحرّك الفرنسي-الألماني قوة دفع رئيسية.
وتسبب الغزو الروسي لأوكرانيا، الذي بدأ بعد أقل من ثلاثة أشهر على تسلم شولتز المستشارية الألمانية في ديسمبر الماضي، بأزمات في فرنسا وألمانيا اللتين اتخذتا عدة قرارات بسبب ضغط الحرب أثارت تداعياتها قلق الجانبَين.
وأعلن المستشار الألماني خططاً لإنفاق ما يصل إلى 200 مليار يورو لدعم أسعار الغاز المرتفعة بعد خفض روسيا شحنات الغاز إلى أوروبا.
“زواج الضرورة”
وأثارت الخطة التي طرحها شولتز من دون التشاور مع شركائه الأوروبيي، قلقاً من ضرب مبدأ المنافسة في أوروبا، المتأثرة بشدة من تداعيات الحرب في أوكرانيا.
وقال مصدر رفيع في الحكومة الفرنسية (عن الألمان): “وضعوا أنفسهم في معسكر غير المتضامنين. ولكن عادوا إلى التفاوض لأنهم منزعجون”.
وأعلنت ألمانيا عن تحوّل كبير في سياساتها الدفاعية بهدف جعل جيشها المنهك “القوة الأفضل تجهيزاً في أوروبا”، بعد عقود من نقص الإنفاق.
ورغم أن حلفاء برلين رحبوا بتغيير التوجه بعد سنوات من قلة الاستثمار، فإن تدفق السيولة لم يترجم إلى عقود كبيرة للاتحاد الأوروبي أو لشركات الأسلحة الفرنسية بشكل خاص، ما يشكّل أحد الدوافع وراء دعوات ماكرون لسيادة أوروبية أوسع.
بدلاً من ذلك، تسارع ألمانيا لشراء سلع أميركية الصنع باهظة الثمن مثل مقاتلات “إف-35” وأنظمة الدفاع الجوي “باتريوت”.
ويعتبر مراقبون أن الخلافات متأصلة في العلاقة بين الدولتين الكبيرتين اللتين لهما مصالح غالباً ما تتباعد.
واعتبر مصدر دبلوماسي فرنسي أن العلاقة بين ألمانيا وفرنسا أقرب إلى “زواج الضرورة”، وقال: “هذه ليست أزمة أساسية، بل قاعدة العلاقة”.
بدوره، قال ستيفان ديون السفير الكندي في باريس، الذي سبق أن شغل المنصب ذاته في برلين: “هناك حالياً توترات بين فرنسا وألمانيا لكنهما تظلان محرك أوروبا. فحتى تعمل أوروبا، يجب أن يعمل هذا المحرك”.
