Cancel Preloader
 أولاد الشمس هم أولاد فلسطين

أولاد الشمس هم أولاد فلسطين

Loading

أولاد الشمس هم أولاد فلسطين

احمد مصطفى رئيس وصاحب مركز آسيا للدراسات والترجمة

رغم خيبة أملي من وسائل الإعلام العربية التي لم تسلط الضوء على أي انتصار فلسطيني أو لبناني بعد النجاح الباهر الذي حققته المقاومة العربية على مدار خمسة عشر شهرا متواصلة قبل الهدنة، التي اُعلن عنها في نهاية يناير الماضي، فإن الشيء الوحيد الذي خفف عني؛ من مشاهدة برامج سطحية ومسلسلات رديئة تعتمد على المبالغات وضوضاء الصوت وخاصة في النصف الأول من رمضان؛ هو مسلسل “أولاد الشمس”.

في العام الماضي كذلك، جذبني مسلسل “أعلى نسبة مشاهدة” الذي تناول موضوعا جديدا، وهو استغلال الفتيات في العالم العربي على “منصة تيك توك” للترويج للإتجار بالبشر. هذا العام، رأيت بضع حلقات من “أولاد الشمس” وسمعت آراء الكثير من المعجبين والنقاد، مما دفعني لمشاهدة العمل على إحدى المنصات. وجدت أنه عمل فني اجتماعي ممتاز جمع جميع العناصر التي تحتاجها أي إنتاج، خاصة خلال شهر رمضان حيث تتنافس الدراما العربية بحماس.

أشكر فريق العمل الذي يقوده المخرج شادي عبد السلام، وهو مخرج شاب ساهم كمساعد مخرج في أعمال كبيرة مثل “أفراح القبة” في رمضان 2016. السيناريو من تأليف مهاب طارق، الذي حقق نجاحا مع مسلسل “جعفر العمدة”، بطولة محمد رمضان قبل عامين.

أما بالنسبة للممثلين، فلا يمكن أن نغفل عن “الشر الجميل” الذي يصعب تصديقه كشخصية شريرة، وهو الفنان المثقف محمود حميدة (بابا ماجد). وهو يساند دائماً الجيل الجديد من الفنانين سواء كـ منتج أو كجزء من العمل، وأيضاً ترتبط أذهاننا به عندما كان يقدم برنامج للأطفال في التلفزيون المصري في ثمانينيات القرن الماضي تحت نفس الاسم “بابا ماجد”، حيث شاركته الإعلامية نجوى إبراهيم في تقديمه بعد ذلك.

يمثل الجيل الشاب نجوم المستقبل مثل (أحمد مالك) الذي يلعب دور “ولعة” بمعنى القوة والسرعة، و (طه الدسوقي) الذي يمثل “مفتاح”، وهو “الشقيق الذي لم تلده أمك” كما نقول، وهو أكثر من يقوم بدعم إخوته الأيتام. وهناك أيضًا (معتز هشام) الذي يؤدي دور “أطايف أو أطة”، الصديق المثقف الذي يسعى دائما لرفع مستوى إخوته الأيتام وتعليمهم. وإضافة إلى دنيا ماهر التي تمثل أمينة، زميلة اليتم داخل دار “أطفال الشمس”.

القصة من منظور اجتماعي

باختصار، القصة قد تبدو لعلماء الاجتماع أنها تتعلق بفساد دور الأيتام، مثل الدار الموجودة في القاهرة التي تدور حولها القصة “دار الشمس”، ويديرها “بابا ماجد” الذي يعد أحد أشكال الشر الجميل، حيث يقوم باستغلال الشباب والأطفال الأيتام في ممارسات قذرة تتضمن المخدرات، وهذا يعتبر جزءا من الإتجار البشر.

في المقابل، يوفر فقط الإقامة والأغذية للأيتام، بينما يجني الملايين وغير مكترث بتعليم أو إرشاد هؤلاء الشباب والأطفال الذين تعرضوا لتجارب قاسية في الحياة، جراء خلفيات اجتماعية مؤلمة لا تزال جراحها مفتوحة داخلياً، خاصة في حالة من فقدوا آباءهم أو عاشوا مع زوجة أب أو زوج أم قاسٍ جعلوا حياتهم جحيماً.

بينما يكبر بعض هؤلاء مثل “ولعة” و”مفتاح” و”أطايف”، وهم أسماء حركية لأبطال القصة، يدركون تماماً أنهم أكثر من إخوة بالدم، لأنهم نشأوا سوياً في دار “دار الشمس”، ويريدون تجنب ما تعرضوا له من “بابا ماجد” مع إخوانهم الأصغر. وقد وعدهم كذباً باستكمال تعليمهم الجامعي كحالة أطايف، أو بممارسة الرياضة كما كان يسعى “ولعة” ليكون ملاكماً محترفاً، حيث بدأت الأحداث عندما علموا بأن “بابا ماجد” قد أعاد إشغال إخوانهم للأطفال في تغليف وتوزيع المخدرات.

حاول الثلاثي مراراً وتكراراً إقناع “بابا ماجد” بعدم إدخال الصغار في هذه الأعمال القذرة، لكنه كان دائماً ما يحاورهم بوعود لا تنتهي، بل ويجبرهم على القيام بـ أشياء قد تضر بحياتهم، مقابل السماح للأطفال بالعيش في هدوء، وليس لإنفاق الأموال التي جمعها منذ تأسيسه لهذه الدار عليهم (تبرعات وهبات وما شابه).

والمفاجأة أن “بابا ماجد” حاول زرع الفتنة بينهم، بل وهاجم بعضهم حيث قُتل كل من “أطايف” و”مفتاح” بينما كان المقصود هو “ولعة”، إلا أنه من الأمور الجميلة في النهاية أن الإخوة في “دار الشمس” لم يتخلوا عن بعضهم. تمكن “ولعة” وبمساعدة إخوته من الوصول إلى “بابا ماجد” بعد أن هرب، واستطاع الحصول على الأدلة التي تدينه في قضايا القتل والمخدرات والفساد. وأبلغ السلطات بعد أن قرر ذلك كما كان يقول له “مفتاح” و”أطايف”، وانتصر على “بابا ماجد” وحول الدار إلى ورش ومكتبة بناءً على نصيحة “أطايف”، ليعمل على رفع مستوى إخوته الأصغر ثقافيا في إشارة إلى أن المعرفة شيء أساسي كـ المأكل والملبس. وهكذا تسطع أنوار الخير ضد الشر مهما كانت التحديات، شريطة العزيمة والتوحد في مواجهة الشر.

مستوى العلاقات الإنسانية

العلاقة خصوصا التي كانت ما بين ولعة ومفتاح وأطايف كانت علاقة وثيقة، فـ كثيرا ما ضحوا بأشياء خاصة بهم من أجل إخوانهم الصغار – ثم العلاقة الأقوى ما بين ولعة ومفتاح وحتى في حاوراتهما العادية استخدما بعض حوارات أفلام (ا/عادل إمام) لتبيان شدة علاقتهما كـ أخوين وخصوصا “مين حبيب أخوه؟”، أكثر من إخوة الدم، حيث كل منهما كان سندا للآخر في مشاهد عالية الانسانية حتى في لحظات الضيق والانكسار.

أكثر ما شدنا في المسلسل حتى مشاهد رقص المهرجانات ودلالتها، والملاكمة والعلاقة القوية ما بين الشابين ولعة ومفتاح، الذين كانوا يتقاسمون كل شيء ربما لصالح الغير من إخوانهم الاصغر، واللغة كانت مقبولة وبعيدة عن الإسفاف وتعبر بالفعل عن ثقافة هؤلاء الشباب.

دائما العلاقات التي تنشأ ما بين الأيتام بعضهما البعض تكون قوية، ولا تتأثر بأي مؤثر خارجي، لأنهم يعتبروا بعضهم البعض عائلة واحدة، فهم بالفعل “أبناء الشمس”. وكذلك الحساسية الشديدة لدى اليتيم بطبيعة الحال ورؤيته بعض الأحيان أنه إنسان مكسور وحتى مع وجود مشرفين ومشرفات – لا يحس اليتيم أن هؤلاء مثل الأب والأم لأنه يعرف أنهم موظفين بـ الأجر، وغالبا ما نسمع عن حوادث تعذيب وتنمر تحدث في دور الرعاية من قبل مديرين ومشرفين ومشرفات تجاه هؤلاء الثكلى والمكسورين من الأيتام، بسبب عدم وجود من يحميهم وعدم وجود عائلات لهم.

وعليه كان مشهد الخاتمة، حيث خرج (ولعة) للتحدث الى روح أخيه (مفتاح) منفردا فوق سطح دار أبناء الشمس، وكيف أتي المخرج بالمسيرة التي صورته مستلقيا على ظهره وكأنه يتخيل أخيه مفتاح مستلق بجانبه بشكل معاكس له.

هل مسلسل أولاد الشمس له فقط بعد اجتماعي أم يتخطى ذلك

أما نحن على المستوى الشخصي نرى أن المسلسل يتناول القضية الفلسطينية بشكل غير مباشر. فإذا تصورنا أن دار أولاد الشمس هي (الأرض الفلسطينية أو غزة) وأن الأيتام هم “أبناء غزة” على اختلاف جمعاتهم وفصائلهم (حماس، القسام، الجهاد) وربما يمثلوا (ولعة ومفتاح وقطايف) وأن الشر المتمثل في الكيان الصهيوني ومن خلفه أمريكا وبريطانيا فرنسا ألمانيا والنمسا هو صاحب الدار (بابا ماجد) الشر الجميل، الذي يظهر شيء براق، عكس ما يبطن من سفك الدماء والقتل والعنصرية الشديدة والاسلاموفوبيا والحرب على العرب والمسلمين.

فإذا أسقطنا هذا الطرح على ما قلناه أعلاه فـ المسلسل نجح بهذه المشاعر الانسانية للتعاطف مع القضية الفلسطينية ولو بشكل غير مباشر، بل ونهاية المسلسل بالرغم من قتل غالبية أكثر من احببناهم وتعاطفنا معهم وهذا مشابه لإغتيال خيرة شباب المقاومة الفلسطينية والعربية الإسلامية (بدءا من الرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي ووزير خارجيته، ثم إسماعيل هنية رئيس المكتب السياسي لـ حماس، مرورا بقتل زعيم المقاومة العربية والإسلامية السيد/ حسن نصر، والذي لو كان موجودا على قيد الحياة لما تجرأت إسرائيل وتركيا على مهاجمة سوريا ونشر الفوضى فيها مرة ثانية، وأخيرا اغتيال يحيى السنوار) – إلا أن الشباب أولاد الشمس انتصروا على الشر واعوانه بابا ماجد الآفاق ومن حوله و استحوذوا على الدار وحولوها لما حلموا به.

وايضا نتعلم من هذا المسلسل أن توحد الشباب والأطفال الأيتام تحت قيادة واحدة والعمل الجماعي، كان أفضل رد على التحديات التي مرت بهم وهذا درس ليس فقط للفصائل الفلسطينية، وخصوصا (فتح) على وجه التحديد، بل أيضا هذه رسالة موجهة للدول العربية والإسلامية ودول الجنوب.

لماذا تعتقد بعض الأنظمة الخليجية والاسلامية بالخطأ أن أمريكا لا زالت القوة الأولى، وعليه طبعت مع الكيان الصهيوني؟ وهل ستصل هذه الدولة الخليجية المطبعة لتصبح صاحبة القرار في العالم العربي مقابل مصر؟ إنها مجرد تخاريف، ولماذا سمحت هذه الدولة بضرب اليمن من أراضيها بواسطة طائرات أمريكية وبريطانية؟ وهل اليمن دولة بسيطة أم هزمت إسرائيل وهزمت تحالف الحزم سابقا الذي استمر عدوانه عليها ثمان سنوات الذي تسببت فيه هذه الدولة على وجه التحديد طبقا لـ تسريبات سفيرها لدى واشنطن يوسف العتيبة؟

واستعدوا لهجوم مضاد من الحوثيين اليمنيين (فهم أيضا أولاد الشمس) سـ يؤرق نوم أمريكا وإسرائيل ويستنزفهم أكثر. مع العلم أن أمريكا في اسوأ وضع اقتصادي وحسب تصريحات “بنك أوف أمريكا” فإنها تخسر تريليون دولار كل 100 يوم، إضافة لـ ثلاث تريليونات خسائر في الشهرين الأخيرين بسبب حرائق كاليفورنيا، ثم أزمة بورصة تكنولوجيا المعلومات الأمريكية التي ضربتها الشركات الصينية، ثم التلاعب بأسعار العملات الرقمية المشفرة وتحقيق خسائر تقترب من التريليون.

وفي النهاية، إن اولاد الشمس هم أولاد الحرية، ولا يمكن لبشر مهما كانت قوته، أن يحجب أبدا ضوء الشمس عن البشر جميعا، وأن للبشر الحق للعيش أحرار في هذه الحياة، وأن يتمتعوا بحقوقهم الأساسية مع صون كرامتهم.

MNews